• Phone: +961 4 532 200/1
  • sgec@sgec-l.org
Stay Connected:

وطنية – إفتتح البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، قبل ظهر اليوم، المؤتمر السنوي الرابع والعشرين للمدارس الكاثوليكية بعنوان” الراعوية المدرسية في المدارس الكاثوليكية: رؤية ومسارات”، بدعوة من اللجنة الأسقفية والأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية، في ثانوية مار الياس للراهبات الأنطونيات – غزير كسروان، ويستمر يومين.

وحضر المؤتمر حشد من الشخصيات السياسية والديبلوماسية، ورجال دين، ومسؤولون تربويون من القطاعين الخاص والعام، إضافة إلى مديري مدارس وهيئات تعليمية، تقدمهم، إلى راعي الإحتفال، جورج قزي ممثلا الرئيس أمين الجميل والنائب سامي الجميل، وزير التربية والتعليم العالي مروان حماده، غابي جبرايل ممثلا وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل، النائب جوزف معلوف ممثلا رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، القائم بأعمال السفارة البابوية المونسنيور إيفان سانتوس، العميد عويدات نجم ممثلا قائد الجيش العماد جوزف عون، المدير العام للتربية فادي يرق، رئيس مجمع التربية الكاثوليكية في الفاتيكان الكاردينال جوزف فرسالدي، رئيس الرابطة المارونية النقيب انطوان قليموس، رئيس اللجنة الأسقفية للمدارس الكاثوليكية المطران حنا رحمة، والمطارنة: كميل زيدان، بول-مروان تابت وميشال عون، مدير المركز الكاثوليكي للإعلام الخوري عبدو أبو كسم، رؤساء عامون ورئيسات عامات للمدارس الكاثوليكية، نقيب المعلمين رودولف عبود وفد من النقابة، رئيس “كاريتاس” – لبنان الأب بول كرم، ممثلو المدارس الكاثوليكية في فرنسا، ممثلو الأمانات العامة للمدارس الكاثوليكية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، رئيس مصلحة التعليم الخاص عماد الأشقر، رئيس بلدية غزير شارل حداد ورؤساء مجالس بلدية ومخاتير، الرئيسة العامة للمدرسة المضيفة الأم جوديت هارون ومديرة المدرسة الأخت ايفا شمعون.

عازار

إستهل المؤتمر بالنشيد الوطني، ثم قدم تلامذة ثانوية مار الياس للراهبات الأنطونيات – غزير، صلاة خاصة تلتها كلمة للأمين العام المدارس الكاثوليكية في لبنان الأب بطرس عازار إعتبر فيها أن “المؤتمر هذا العام، “الراعوية المدرسية في مدارسنا الكاثوليكية”، أعطانا دفعا جديدا وقويا لنواصل المسيرة التربوية، باسم الكنيسة، لكي نحرر بتعاليمها الانسان من كل العبوديات ونبني الوطن والمجتمع”.

وأضاف: “يسأل البعض: لماذا هذا المؤتمر عن الراعوية المدرسية في مدارسنا الكاثوليكية في هذا الظرف الدقيق الذي تمر به المدارس الخاصة في لبنان؟ أولم يكن من الافضل ان يكون مؤتمرنا وقفة للمطالبة بتشريع عادل يصون حرية التعليم ويحمي المدارس الملتزمة الانظمة والقوانين، كمدارسنا الكاثوليكية المؤسسة للتعليم والتربية في لبنان؟ جواب الهيئة التنفيذية، وجواب اللجنة التحضيرية للمؤتمر، لا بل جواب كل مدارسنا، هو اعتبار الراعوية المدرسية أساسا للتنشئة، ليس فقط على المعرفة الايمانية والقيم الروحية فحسب، بل هي ايضا للتنشئة على الحوار واحترام القانون والانظمة العادلة، وخدمة الشأن العام وخدمة المجتمع، وبناء المواطنة والتزام بقواعد العيش المشترك واعتماد العدالة والتوازن في السعي الى ضمان حقوق الاسرة التربوية كلها، لا بل لضمان حقوق جميع الناس”.

وتابع: “ان الراعوية المدرسية هي المقاربة الاكاديمية للتنشئة الدينية، بحيث يشكل الاطار المدرسي فسحة روحية لا بد منها تلتقي في رحابها العائلة والرعية والجماعات الرسولية وكل القطاعات بما فيها قطاع الانترنت والاعلام، للتعاون من اجل انجاح التلمذة المسيحية. وكم يهمنا ان تعتمد التنشئة الدينية المناهج التي تراعي العمر والقدرة على الاستيعاب، لمساعدة التلامذة، وفي سعيهم الى ايجاد معنى لحياتهم، ليغتنوا من معرفة الله والتراث الديني، وبخاصة المشرقي، لبناء الشخصية ضمن بيئة كنسية منفتحة على عمل الروح وعلى احترام الانسان وحقوقه وكرامته. كل هذا، وغيره أيضا، يسهل انخراط التلامذة في جماعة الايمان السائرة نحو الملكوت من خلال تبني قيمها وانماء سلوكها الروحي والانساني المرتكز على التعاليم الكنسية والمواقف الانجيلية وتجسيدها في عالم الاقتصاد والسياسة والتربية والاجتماع والاعلام”.

ً “اننا نميز في اعمال هذا المؤتمر، ولكنمن دون ان نفعل، بين التعليم المسيحي والتنشيط الروحي والتثقيف الديني معتبرين انها تشكل الاعمدة الثلاثة الاساسية للراعوية المدرسية في مدارسنا الكاثوليكية. ولأننا نؤمن بأن مدارسنا هذه هي ذات منفعة عامة في مجتمعنا، فاننا نهتم بتعزيز الايمان الواعي والصادق والملتزم اعمال الخير والرحمة والمحبة، لنقف مع اصحاب الارادة الصالحة في وجه كل اشكال التطرف والبغض والعنف بغية اقتلاع الارهاب، الفكري والمعنوي والجسدي، لكي يشرق على لبنان وعالمنا العربي وعلى العالم كله سلام الله، بفضل المنورين بكلمة الله وسماحه ورحمته”.

وأكد “ان مدارسنا الكاثوليكية تجدد اليوم التزامها مبادئ الراعوية المدرسية لكي تقدم للمواطن الانسان تربية متكاملة ومتوازنة وسليمة، روحيا وعاطفيا واجتماعيا

وثقافيا”، وقال: “يا ويل لبنان واللبنانيين اذا نجح مهددو مدارسنا في تعطيل دورها! تراهم هل يجدون صروح علم، كهذا الصرح الذي يجمعنا، تبني على مثالها الوطن بروحانية الراعوية المدرسية، وتنشئ الاجيال الطالعة على الايمان والقيم والتطلع دوما إلى المراقي؟ وهنيئا لنا، اذا ثبتنا معا لنشهد لهذا الشغف و”للحق الذي يحرر”.

رحمة

وتحدث المطران رحمة عن “فرص الراعوية المدرسية في المجتمع اللبناني التعددي وتحدياتها”، فلفت الى أن “محور رسالة الكنيسة التعليمية هذه هو شخص يسوع، “فنحن لا نعلم إلا بقدر ما نسمح للمعلم الأوحد أن يكون حاضرا في كلامنا وتصرفاتنا”، كما جاء على لسان البابا القديس يوحنا بولس الثاني، في إرشاده الرسولي حول التعليم المسيحي في عصرنا. ففي صلب راعويتنا نجد هذه الدعوة للدخول في علاقة شخصية، بنوية، بين تلميذ ومعلمه يسوع. ولأنه لا فصل بين النمو الروحي للإنسان ونموه الثقافي والأخلاقي والعاطفي والجسدي. أتت المدرسة الكاثوليكية لتجعل تنشئة الإنسان بكليته محور رسالتها الإنجيلية، المسيحية”.

وأضاف: “راعويتنا المدرسية هي امتداد لرسالة المسيح المعلم. هي هذا النفس الرسولي الذي يهدف لبث روح الإنجيل ومحبة المسيح في قلوب المنتمين إلى مؤسساتنا التربوية. تتجسد هذه الراعوية من خلال كافة الأنشطة الصفية واللاصفية التي تعتني بالحياة الروحية لتلامذة مدارسنا وتتوسع لتشمل المربين والموظفين العاملين في مدارسنا. تتجسد إذا من خلال المحطات الروحية، الليتورجية وغير الليتورجية التي تتوزع بين وقفات صلاة صباحية، قداسات ورياضات روحية وإحتفالات ومناسبات تواكب العام الدراسي وتخدم النمو الروحي، الثقافي والإنساني لتلامذتنا. كما وتشمل أيضا مساحات الإصغاء والتوجيه من خلال نشاط المرشدين الحاضرين لمرافقة من يحتاج، مرافقة شخصية تتجسد أيضا من خلال ساعات التعليم المسيحي الذي لا يزال يعطى في غالبية مدارسنا، ولو بتفاوت في وتيرة الحصص الأسبوعية بحسب الأوضاع والمعطيات المحلية. راعويتنا المدرسية تتجسد أيضا في الخبرات الإنسانية التي نعيشها في مدارسنا، مع كل طلابنا، في مختلف المؤسسات الإنسانية إلى جانب الآخر المختلف والفقير واليتيم والعجوز”.

وتابع: “انفتاح الثقافات هذا وضعنا أمام إشكاليات جديدة لم تكن مطروحة وتغيرات متسارعة على المستوى الفكري والثقافي جعلت المجتمعات التقليدية تتطور وتتغير وتتحول إلى مجتمعات أكثر حداثة. وهنا يكمن التحدي الأكبر بالنسبة الى التربية. لأن الفرق كبير بين عملية التربية في مجتمعٍ تقليدي تحكمه العادات والتقاليد والضوابط الإجتماعية والعائلية، وبين عملية التربية في مجتمع أكثر حداثة، حيث الفرد له مكانة مختلفة في قلب الجماعة لأنه وصل إلى درجة مختلفة في وعيه لذاته ولحريته ولحياته، وبالتالي لإيمانه. ومن أبلغ سمات هذا التغير الثقافي الحاصل لمجتمعنا اللبناني بفعل العولمة، هو هذه العلمانية التي أخذت تتجلى أكثر فأكثر على مستوى الحياة الشخصية الخاصة، والأكثر تأثرا بهذه التحولات الثقافية هم المراهقون والشباب الناشئ. وليس من الغريب أن نسمع من القيمين على التربية اليوم، في كل المجالات، مدى صعوبة نجاح هذه العملية التربوية، والتي قامت في الماضي، ولمئات السنين، على تقنيات ووسائل بسيطة”.

وشدد أن “شباب اليوم واعٍ ويكون آراءه الخاصة التي قد تصل إلى حدود النسبية في كل شيء، حر لدرجة انه لا يلتزم ما لا يعنيه أو يمسه ولا يقتنع بما لم يختبره. شباب اليوم كثير الخيارات لدرجة قد لا يعرف ما يختار ويحب التغيير وكل ما هو جديد. فهو يدعونا الى الإبداع والتجدد على مستوى الشكل والأسلوب في جميع مكونات راعويتنا. لم يعد يقبل أن يسير ضمن نظام شمولي لا يأخذ في الإعتبار والتقدير لحريته وفرادته. وبهذا يدعونا الى شخصنة العلاقة الراعوية أي تعزيز البعد الشخصي لتلامذتنا في كل النشاطات الروحية والخبرات التي نقترحها عليهم في إطار الراعوية المدرسية”.

وأضاف: “أمام تحدي الإنفتاح، شباب لبنان اليوم معرض لضياع الهوية، فهو يدعونا الى مساعدته لاكتشاف تراثه وتاريخه والقيم التي تربى عليها واعتادها وأيضا لنساعده في استعادة المعنى العميق للعادات والتقاليد التي ورثها. يُضاف إلى هذه التحديات ما هو ناتج من الظروف الإجتماعية، الإقتصادية والأمنية، وكل ما يؤول إلى النزوح والهجرة وإفراغ شرقنا الحبيب من شبابه وخيرة أبنائه. كلها أمور تدفعنا الى العمل أكثر على بث الرجاء والشجاعة الرسولية في قلوب تلامذتنا، فنفتح لهم فرص التعاون والتعاضد الأخوي مع من يعيشون في ظروف معدمة وفي اضطهادات. وتدفعنا أيضا الى تحفيز الوعي والتربية على التزام حضورنا المشرقي والافتخار بكنزنا الحضاري العريق”.

فرسالدي

وتحدث الكاردينال فرسالدي مشددا على أن “الهدف الذي يسعى إليه التعليم الحقيقي هو تكوين الشخص البشري من منظور أعلى، لما له خير المجموعات التي يكون الإنسان عضوا فيها خلال ممارسة نشاطه. كل المسيحيين لديهم الحق في التعليم المسيحي. ويهدف هذا الحق ليس فقط الى ضمان نضج الإنسان، بل في معرفة سر الخلاص. من خلال هذا النمو، يمكن المؤمنين الوصول إلى “الرجل المثالي، في قمة الحياة، الذي يدرك اكتمال المسيح”.

وتابع: “من خلال اتباع هذه المبادئ، نجد أن الكنيسة دائما تشارك هذا المفهوم في مجال التعليم مع التلامذة عبر حوار مثمر بين الإيمان والعقل، بين البعد الإنساني والبعد الديني، من دون أن يغيب عن بالنا جوهر رسالة الإنجيل. فالأسلوب التعليمي الحقيقي لا يقتصر على فرضه، بل في مرافقة الناس في تنميتهم. ويشارك المجتمع التعليمي في تعميق الثقافة اللبنانية وفي تنمية العلاقات بين الأجيال وفي علاقات الشباب مع والديهم. وعلينا أيضا ألا ننسى أنه يتيح للشباب أن ينظروا بهدوء إلى مستقبلهم وأن يجدوا أسبابا للعيش والأمل. لأن الدين المسيحي قد سعى إلى تحالف مع العقل، ورفض الأديان الوثنية الأخرى”.

وقال: “لقد حددنا بوضوح الهوية الكاثوليكية لمدارسنا، التي، في التقليد من علم أصول الإنجيلية، لا تفرض حقائق مجردة، ولكن لأنها تريد أن تقود الرجال إلى الحقيقة الكاملة التي يقبلها الناس. ومن المهم أن المدرسة، لا سيما في عملها الرعوي، ليست معزولة عن الكنيسة المحلية، ولا سيما الرعايا، حتى لا يتم تجنب الازدواجية أو المنافسة فحسب، من خلال الدعم المتبادل في تنوع الأدوار. وهذا يعني الحاجة إلى التحقق من تنوع الأدوار في حياة الكنيسة حتى لا تفرط في تحمل المدرسة المهام التي تنتمي إلى الرعية أو العكس”.

وختم بالتطرق الى وسائل التواصل الجديدة مشيرا الى أن “نمو وسائل التواصل الاجتماعي أدى إلى انتشار “المعلمين الجدد”، خارج أي سيطرة مؤسسية، مع خطر الارتباك في الاقتراح التعليمي المسيحي”.

الراعي

وألقى الراعي كلمة بعنوان “صنع الجماعة التربوية”، قال فيها: “يسعدني أن أحيي نيافة الكاردينال Giuseppe Versaldi، رئيس مجمع التربية الكاثوليكية الذي شرفنا بحضوره. وأشكره باسمكم على كلمته التوجيهية. كما أحيي سيادة أخينا المطران حنا رحمه رئيس اللجنة الأسقفية، والأب بطرس عازار الأمين العام للمدارس الكاثوليكية في لبنان، وكل المشاركين في هذا المؤتمر، والمحاضرين فيه. ونعرب عن شكرنا لثانوية مار الياس للراهبات الأنطونيات هذه، لاستضافة المؤتمر. ويطيب لي أن أتكلم عن “صنع الجماعة التربوية” وفقا للبرنامج المقترح.

“صنع الجماعة” في المدارس الكاثوليكية عنصر أساسي في تكوين الراعوية المدرسية. هذه الجماعة تستجيب إلى ضرورة العمل الجماعي المشترك في تحقيق العملية التربوية. ولذا، تصنعها المدرسة، إدارة ومعلمين وتلامذة والعائلة والمجتمع المدني والدولة والكنيسة. فهي كلها معنية بتربية التلميذ في كل أبعاد شخصيته العلمية والأخلاقية والإجتماعية والوطنية والروحية. وبفضل تعاون مكونات الجماعة التربوية، يتخرج التلامذة من المدرسة الكاثوليكية حاصلين على معرفة علمية نوعية، وعلى أسس ثقافية وروحية وخلقية، تجعل منهم مواطنين مسؤولين متعمقين في الثقافة اللبنانية، ومسيحيين ناشطين، وشهودا للإنجيل. وبذلك يواجهون بصفاء مستقبلهم. ويجدون أسبابا للعيش وللرجاء.

في إعلان المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني “في التربية المسيحية” نجد أدوار المكونات التي تصنع الجماعة بانصبابها كلها على تكوين شخصية التلميذ جسديا وأخلاقيا وفكريا بشكل متوازن، بحيث يكتسب تدريجا حس المسؤولية الناضج، والترقي الشخصي والحرية المبنية على الحقيقة، والإندماج السليم في مساحات العيش معا في المجتمع، وإمكانية تقييم وقبول القيم الأخلاقية بضمير مستنير. هذه المكونات الخمسة: المدرسة والأهل والمجتمع المدني والدولة والكنيسة، يحددها بدوره المجمع البطريركي الماروني”.

ولفت الى أن “المكون الأول لصنع الجماعة هو المدرسة، إدارة ومعلمين وأهلا وتلامذة يؤلفون أسرتها التربوية”، وقال: “إنها المكان الذي تلتقي فيه المكونات الأخرى، التي تشكل معها الجماعة التربوية الكبيرة. فالمدرسة تتعاون مع الوالدين في اداء واجبها التربوي، وتحل محل الجماعة البشرية في تربية أعضائها. وهي بالتالي تلبي الدعوة والرسالة الموكلتين إليها من العائلة والكنيسة والمجتمع والوطن. إنها تعنى بإنضاج إمكانات التلميذ الفكرية، وبتنمية قدراته على التحليل والحكم في الأمور، وبإدراجه في رحاب التراث الثقافي المكتسب عبر الأجيال، وبإعداده للحياة المهنية، ومساعدته على نسج علاقات صداقة، مع رفاقه من مختلف المذاهب والمناطق، وعلى روح التفاهم.

وتضع المدرسة كل طاقاتها في خدمة الجماعة المسيحية، وبصورة أشمل، في خدمة الوطن كله. فهي تعتني بالبعد الروحي والأخلاقي، وتقدم رؤية للإنسان والتاريخ مستنيرة بالإيمان وبشخصية يسوع المسيح. أما المعلم فهو المحور الأساس لإنجاح العملية التربوية، وصنع الجماعة. إنه وجه المدرسة، المؤتمن على تربية كل تلميذ وتلميذة من تلامذته باسم أهله والمجتمع والكنيسة والوطن. فالمطلوب أن يكون ذا ثقافة أكاديمية، ومميزا بأخلاقيته وقيمه الروحية. ليس المعلم مجرد ملقن معلومات ومدرب مهارات، بل هو أولا مرب يجسد في شخصه المبادئ التي يعلمها. إنه بذلك يشدد روابط الجماعة التربوية .

ويأتي التلميذ العنصر الثالث في المدرسة بعد الإدارة والمعلم. إنه شريك مساهم في تتميم غاية العملية التربوية، وهدف الجماعة ومبرر وجودها. إنه العامل الأول في تربيته الذاتية الذي يخلق بينه وبين المعلم والإدارة، وبينه وبين مكونات الجماعة التربوية الأخرى علاقات محبة واحترام”.

ورأى أن “المكون الثاني في صنع الجماعة التربوية هو العائلة”، قائلا: “على الوالدين، لأنهم نقلوا الحياة الى أولادهم، يقع الواجب الخطير لتربيتهم. فهم المربون الأولون والاساسيون بالنسبة إليهم. لذا، من واجبهم إشاعة الجو الملائم في العائلة، والمميز بالحب وتقوى الله ومحبة الناس. فالعائلة هي المدرسة الأولى للفضائل الإنسانية والاجتماعية، وللتنشئة الإنسانية. ويعود للوالدين الحق وحرية اختيار المدرسة لأولادهم، بحيث يعتبرون أنها تواصل التربية التي يريدونها لهم. فيقع على السلطات المدنية واجب حماية هذه الحرية والدفاع عنها، باحترام العدالة التوزيعية، ودعم الأقساط المدرسية من المال العام من أجل الحد من تنامي هذه الأقساط وضبط زياداتها، بهدف التخفيف عن كاهل الأهل لكي يتمكنوا من اختيار المدرسة لأولادهم بملء حريتهم، ووفقا لضميرهم. وهذا مطلب متكرر اليوم، بحكم الدستور اللبناني. إننا نحمل القيمين على شؤون الدولة المسؤوليات التالية: مسؤولية إرهاق المواطنين بالأقساط الجديدة التي سترتفع حتما، كنتيجة لسلسلة الرتب والرواتب وقد طالبنا بها وأردناها عادلة ومنصفة للجميع؛ ومسوؤلية إرغام أي مدرسة على إقفال أبوابها؛ ومسؤولية زيادة عدد العاطلين عن العمل من بين المعلمين والموظفين، ومسؤولية حرمان المناطق الجبلية والنائية مدارس مجانية وغير مجانية، وتهجير أهاليها إلى ضواحي المدن الكبيرة”.

وأكد أنه “تجنبا لهذه الأخطار الاجتماعية التي تصيب الثقافة والتربية والوطن، نطالب مع دولة رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه بري، ما سبق وطالبنا به. فقال مشكورا، في الخطاب الذي ألقاه الأربعاء الماضي في ذكرى الإمام موسى الصدر، ما حرفيته: “الرئيس شارل ديغول واجه مثل هذا الموضوع، فاعتبر المدرسة الخاصة ذات منفعة عامة، ودفع رواتب المعلمين لقاء حق المراقبة. ونستطيع نحن أن نقول بدفع فرق الرواتب لقاء حق المراقبة، وأن نفعل شيئا من هذا الموضوع في مقابل بعض الرقابة في هذا الأمر”.

أضاف: “المكون الثالث هو المجتمع المدني، بما فيه من جمعيات أهلية وبلديات وأندية وسواها، إنه مدعو الى الافساح في المجال أمام التلامذة كي يقوموا بمبادرات تجسد المبادئ التي تعلموها، ويتمكنوا من الاندماج في مجتمعهم، وتحفيز قدراتهم فيه. ومن واجب المجتمع المدني حماية المدرسة وتعزيز النشاط التربوي ومساندة الأهل حيث تدعو الحاجة. المكون الرابع هو الدولة، المسؤولة عن سن القوانين والأنظمة للمؤسسات التربوية، ووضع المناهج. ومن واجبها تأمين المستوى الرفيع للدروس عبر كفاية المعلمين والجهاز المدرسي. وبما أنها تسن القوانين للتعليم الرسمي والخاص على السواء، فمن واجبها، بحكم العدالة التوزيعية، أن تدعم التعليم الخاص ماليا كما قلنا. إن مدارسنا الكاثوليكية ترفض أن يضعها المسؤولون السياسيون في مواجهة مع المعلمين وأهالي التلامذة. فليست مدارسنا ضد زيادة رواتب المعلمين، ولا هي تريد إرهاق الأهل بزيادة الأقساط، بل من أجل حماية المعلمين والأهل تطالب مدارسنا الدولة بدفع فرق الزيادات على الرواتب. فكيف تستطيع القيام بواجبات الرواتب الجديدة، وقد تسجل تلامذتها ووقعت العقود مع المعلمين وفقا لأقساط العام الدراسي المنصرم، ووفقا للموازنة الموضوعة قبل صدور سلسلة الرتب والرواتب؟ وإلا كانت حال مدارسنا كحال الشخص الذي يرمى في الماء ويقال له: “لا تتبلل”.

ومن الواجب الدولة أن تحمي التربية الأخلاقية والإنسانية، بضبط الانحرافات والممارسات المعاكسة عبر وسائل الإعلام وتقنيات التواصل الاجتماعي. فهذه، إذا أحسن استعمالها ببرامج بناءة، تكون شريكة فعالة في العملية التربوية، وبخاصة عندما يستعملها التلامذة لأغراض علمية وثقافية، ولإحياء حوار بناء مع الآخرين”.

واعتبر أن “المكون الخامس في صنع الجماعة التربوية هو الكنيسة المرسلة من المسيح “لتتلمذ وتعلم جميع الشعوب” (راجع متى 28: 19)”. وقال: “لقد وجدت الكنيسة في المدرسة ذراعها وشريكها في الرسالة. ومن هذا المنظار فالكنيسة هي أم ومعلمة، وبالتالي مربية الأشخاص والشعوب، وهي الحريصة على تثقيفهم بالعلوم الفضلى والقيم الروحية والأخلاقية والإنسانية. وإن ما يعني الكنيسة في الأساس هو تعليم طريق الخلاص، ونقل الحياة الجديدة بالمسيح، بحيث يبلغ أبناؤها وبناتها ملء هذه الحياة. ولذا فهي تعمل بعناية كبيرة على تعزيز إنماء الشخص البشري إنماء شاملا، وعلى تعزيز خير المجتمع الأرضي، وبناء عالم أكثر إنسانية. لاتمام هذه الرسالة تعتمد الكنيسة، كنيسة الشهادة والشهداء، على الآباء المرشدين ومعلمي التعليم المسيحي وعلى كهنة الرعايا ومطارنة الأبرشيات والعائلات وجميع الذين واللواتي يشهدون لكلمة الله، بأقوالهم وأعمالهم وتكرسهم لكي تبقى مدارسنا جماعة متضامنة ومتعاونة تغتذي بالالتزام “بقيم الشهادة الثلاث الأساسية: قيمة الإيمان الشخصي، قيمة المحبة الاجتماعية، وقيمة رجاء رسالية”.

وختم: “إننا، إذ نفتتح اليوم هذا المؤتمر السنوي لمدارسنا الكاثوليكية بموضوع “الراعوية المدرسية”، ومن ضمنه صنع “الجماعة التربوية”، إنما نضعه تحت انوار المعلم الإلهي يسوع المسيح، مثال الشهداء، وشفاعة امنا مريم العذراء، كرسي الحكمة، ومثال الشهود راجين له النجاح في أعماله ومقرراته، لخير أجيالنا الطالعة والكنيسة والوطن”.

طعمة

ثم ألقى الأختصاصي في مركز البحوث والتطوير التعليمي في لبنان الدكتور أنطوان طعمة مداخلة بعنوان “نحو منهج جديد للتعليم المسيحي، تماشيا مع هندسة جديدة لتطوير المناهج الرسمية في لبنان”، مستشهدا بكلام قداسة البابا فرنسيس عن التربية، بأنها “إدخال الشخص في ملء الحقيقة”، “فلا يمكننا التحدث عن تربية كاثوليكية من دون التحدث عن الإنسانية، إذ إن الهوية الكاثوليكية هي الله الذي صار بشرا”. ويضيف قداسته: “التربية المسيحية ليست التعليم المسيحي فحسب، إنما هي تربية الأطفال والشباب على القيم الإنسانية بملئها وبجميع أشكالها. وأحد هذه الأشكال هو التسامي، ويدعو قداسته الى كسر قيود الانغلاق للانفتاح على الله والآخر المختلف. يقول: “الإنغلاق لا يفيد التربية”.

أضاف: “أن التربية هدم للجدران العازلة ومد لجسور التلاقي، وفي مرتكزات المنهج المطور وعناصره ومحتواه وأنه لو كانت الكنيسة “أما ومعلمة” فالمدرسة المسيحية الكاثوليكية، في هويتها وعلة وجودها، مؤتمنة على تعليم مسيحي كنسي ينطلق من رؤية ورسالة هما أبعد من التعليم المسيحي، كما قال قداسة البابا فرنسيس، لأن هدفهما إنماء الإنسان، كل الإنسان، في انفتاح على الروحي والإلهي، الإنسان ببعديه التجسدي والمتسامي، على صورة يسوع المسيح الإله – الحق والإنسان – الحق. وقد أوكل الله إلى الكنيسة وإلى المدرسة “الحفاظ على وديعة الإيمان”. وكم نتمنى أن يبنى هذا المنهج الجديد بروح فرح الانجيل وهو البشرى السارة، وفرح الحب والانفتاح على رحمة الله ومغفرته بالتوبة وارتداد القلب. لا بد لصوغ مثل هذا المنهج من لجنة خبراء تعمل بمنهجية، وهم كنسي، على هندسة هذا المنهج بكل عناصره ومكوناته ومستلزماته. بالطبع نعرف أن المنهج أبعد وأشمل وأكثر تركيبا وتعقيدا من كتاب التعليم المسيحي الذي ليس سوى ترجمة للمنهج، وأداة من أدوات ترجمته وتحقيقه”.

إيرفو

وتحدث المسؤول الوطني عن الأنشطة الرعوية في المدارس الكاثوليكية في فرنسا جوزف إيرفو، ضمن مداخلة حملت عنوان “المناهج الجديدة في التعليم المسيحي” متسائلا ما هو التعليم المسيحي والتطور الذي عاشته الكنيسة الكاثوليكية؟ شارحا كيف ساهم هذا التطور في التكيف مع المتغيرات التاريخية مدى آلاف السنين، والتطور الإنساني اللامتناهي على مستوى الفكر والعلاقات الإنسانية والعولمة”، لافتا الى أنه “يجب الأخذ في الاعتبار العالم الذي تغير، والنظر الى ماهية هذه المتغيرات. نجد أن أهم التحديات هي في عدم تحديد مفهوم استقلالية الناس، وتعدد المراجع على كل المستويات بما في ذلك الدينية منها، وهذا هو نتيجة العلمانية والعولمة”.

وأشار الى “أهمية الانتقال من “الحفاظ على التعليم المسيحي” إلى “اقتراح تعديلات للتعليم المسيحي” ومن مرحلة التكيف مع الواقع المستجد بحسب التعاليم المسيحية الى مرحلة تعديل وتطوير المفاهيم لردم الهوة بين الواقع والمتطلبات”.

زغيب

وكانت مداخلة لمنسق التعليم المسيحي في الجامعة اليسوعية الخوري رفائيل زغيب حملت عنوان “ملامح وتكوين المنسقين الرعويين ووفق أي معايير وما هي الخيارات المتاحة؟”، قال: “لا شك في أن تدريب المعلمين الرعويين يمثل تحديا كبيرا للرعوية المدرسية في الشرق نظرا الى التغير الثقافي وتنوع البرامج المسيحية المستخدمة والدور التربوي الذي نعيشه اليوم. ومن هنا جاءت أهمية تنوير صورة هؤلاء المنسقين في منطق المهارات المكتسبة. لا يستطيع المنسق الرعوي القيام بمهمته على نحو فاعل إذا لم يبدأ في مهمته الكنسية. في تشكيل الكهنة وفي اختيار التعليم المسيحي في المدارس، وغالبا ما لا يحترم هذا المعيار، لأنه في معظم الحالات يعتقد المديرون أن طالب اللاهوت يمكن أن يؤدي هذه المهمة. لهذا الغرض يندرج في التدريس اللاهوتي وفي التعليم الأخلاقي أو الديني، الذي ليس في حد ذاته التعليم المسيحي، أو في النشاط الرعوي الذي لا يرتبط مع المدرسة الرعوية التي ترتبط معها العضوية مع إعلان الإنجيل”.

لافتا الى “إختلاف صورة المنسق الرعوي تبعا لرسالته في هذه البيئة، ولكن يبقى الثابت الرئيسي التكامل بين التعليم المسيحي والليتورجيا والحياة الروحية ومن جهة أخرى العلوم الإنسانية. أما بالنسبة للمنسقين المسيحيين، فإن مهمتهم هي أيضا ذات أهمية لضمان استمرارية مسار التعليم المسيحي الذي يجلب التعليم إلى النضج في الإيمان والذي يحفز التعليم المسيحي في عملية التكوين المستمر”.

وعلى هامش المؤتمر، عقد الكاردينال فيرسالدي ومرافقه الأب يوسف شديد لقاء خاصا مع رؤساء الجامعات الكاثوليكية.

ويتابع المؤتمر أعماله اليوم وغدا.

Add Your Comments

Your email address will not be published.

First Name*
Subject*
Email*
Your Comments