مؤتمر المدارس الكاثوليكية السنوي التاسع والعشرون
“التربية المتكاملة… قوّة تغيير المجتمع”
الخامس والسادس من أيلول 2023
مدرسة سيدة اللويزة- زوق مصبح
البيان الختامي
بدعوة من اللجنة الأسقفيّة والأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية في لبنان، افتتح غبطة البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، رئيس مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان، مؤتمر المدارس الكاثوليكيّة في لبنان السنوي التاسع والعشرين تحت عنوان:
“التربية المتكاملة… قوّة تغيير المجتمع“
في مدرسة سيدة اللويزة- زوق مصبح، وحضره الى جانب غبطة البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي رئيس مجلس البطاركة والاساقفة الكاثوليك في لبنان، المونسينيور باولو بورجيا السفير البابويّ في لبنان، سيادة المطران حنا رحمة مطران بعلبك ودير الأحمر للموارنة ورئيس اللجنة الأسقفية للمدارس الكاثوليكية، و المطران سيزار أسايان النائب الرسولي لطائفة اللاّتين في لبنان، الأساقفة ميشال عون ومنير خيرالله وبولس روحانا، والرئيس العام للرهبانية المارونيّة المريميّة الأباتي إدمون رزق، والرؤساء العامّين والرئيسات العامات، غبطة البطريرك روفائيل بدروس الحادي والعشرون كاثوليكوس بطريرك بيت كيليكيا للأرمن الكاثوليك مُمثّلًا بالنائب البطريركي العام لأبرشية بيروت البطريركية المطران كابريال موراديان، والمونسينيور باسكال غولنيش مدير جمعيّة مبرّة الشرق، والأمين العام للمدارس الكاثوليكيّة الأب يوسف نصر، والأب حنا الطيار رئيس مدرسة سيدة اللويزة ومعاونيه، والكهنة والرهبان والراهبات، و السادة النواب إدغار طرابلسي، مقرّر اللجنة النيابيّة التربوية، النائب أنطوان حبشي، وممثّلين عن النواب فريد هيكل الخازن وأسامة سعد، ورئيسة اللجنة النيابيّة التربويّة السابقة معالي السيدة بهيّة الحريري، و مدير عام وزارة التربية عماد الأشقر، وممثّل قائد الجيش العميد جورج حبيقة، ومديرة مكتب الأونيسكو الإقليمي الدكتورة كوستانزا فارينا، ورؤساء الجامعات، والفعاليات التربويّة والروحيّة والاجتماعية والقضائية والأمنية، واتّحادات لجان الأهل، ونقيب المعلّمين الأستاذ نعمة محفوض، وحشد من مديرات المدارس ومديريها وأساتذتها، والهيئة الإدارية لرابطة قدامى المدارس المدارس الكاثوليكيّة، وأعضاء هيئات الأمانة العامة للمدارس الكاثوليكيّة، ومجموعة من الجهات المانحة، وإعلاميّين وصحافيّين، ومهتمّين.
تضمّن المؤتمر في يومه الأول حفل افتتاح وجلسة افتتاحية وجلسة عامة، وفي يومه الثاني ورشتي عمل وجلسة ختامية تفاعليّة بين الأمين العام وعدد من تلامذة المدارس الكاثوليكيّة في لبنان.
افتتح اليوم الأول بكلمة لرئيس مدرسة سيدة اللويزة – زوق مصبح الأب حنا الطيار، رحّب فيها بالحضور وتطرّق الى موضوع المؤتمر معتبرًا أنّ “الهمّ المشترك لحضور الجميع هو أن يبقى لنا وطن ومدارس ومؤسسات تربويّة نُنشّأ في كنفها أولادنا”. وأضاف: “علينا أن ندق ناقوس الخطر قبل فقدان الأمان في ظلّ الاضمحلال الأخلاقي. نحن أمام جيل تتقاذفه البِدَع وعلينا أن نسرع بترجمة علميّة لتوصيات المؤتمر كي نواجه العقبات اللاأخلاقيّة. إذ تبقى التربية وحيدة في أساس إصلاح الوطن وصلاح الناس.”
أولاً: حفل الافتتاح
بعد النشيد الوطني، افتتح الحفل بتساؤلات عدّة وجهّها تلامذة المدارس الكاثوليكيّة في إطار التربية والثقافة والتحديّات التي يواجهها التعليم حاليًّا إزاء بناء مجتمع يعمد الى تطوير الإنسان، كلّ الإنسان. وتخلّل الاحتفال لوحة رقص تعبيريّ قدّمها طلاب مدرسة راهبات القلبين الأقدسين- عين نجم. كما تلا تلامذة من مختلف المدارس الكاثوليكية نوايا باللّغات العربيّة، الفرنسيّة، الإنكليزيّة والأرمنيّة، رفعوها على نيّة لبنان وتعزيز التعليم الكاثوليكي والحفاظ على روح الإنسان وقيمِه. ورافقهم ترنيمًا وعزفًا موسيقيّين من معهد سيدة اللويزة الموسيقي.
ثمّ عُرض وثائقي عن المدارس الكاثوليكيّة ودورها التعليميّ والتثقيفيّ في لبنان من إخراج طوني نعمة.
ثانياً: الجلسة الافتتاحية
قدّم حفل الافتتاح الإعلامي داني حداد، الذي استهلّ الجلسة بكلمة أشار فيها إلى الدور الريادي للمدرسة الكاثوليكيّة التي كانت ويجب أن تبقى مركزًا للكفاءة، وحيث العلم هو رسالة”.
وتابع: “هل طرحُ عنوان “التربية المتكاملة قوّةُ تغيير المجتمع” إنكارٌ لما نعيشه من أزماتٍ، فننحو صوبَ عنوانٍ يبدو ترفاً اليوم؟ لا، أبداً، بل هو إصرارٌ من الأمانةِ العامّة للمدارسِ الكاثوليكيّة على استمرارِ الرسالة والتطوّر وبناء الإنسان وتغيير المجتمع”، مشدّدًا على أننا “بأمسِّ الحاجة الى التغيير، وهذا، للأسف، تحوّل الى شعارِ على يدِ السياسيّين، ونريده فعلاً على يدِ التربويّين”.
أما الأمين العام للمدارس الكاثوليكيّة الأب يوسف نصر فاعتبر أنّ ” أزمة المدرسة الكاثوليكيّة انفجرت بشكل عنيف وغير مسبوق مع انتفاضة 17 تشرين عام 2019 التي أدّت شظاياها الى تعطيل الكثير من المرافق العامّة بما فيها القطاع التربوي، فتسببت بِتعطيلِ عمل المؤسّسات ،هجرةِ عدد كبير من خيرةِ المعلّمين، تمادٍ في زيادة إفقار الأهل، وهجرةٍ إضافية للشباب اللبناني وللأدمغة الشابّة وللعائلات.”
وأضاف: “في مواجهةِ كلّ ذلك، لم تقف المدرسة الكاثوليكيّة مكتوفة اليدين، فقد واجهت التحدّي الأكبر في هذه المرحلة، وهو التحدّي الاقتصاديّ، من خلال المحافظة على “ثالوثيّة” المدرسة والمعلّم والأهل ضمن خطّتها التربويّة والإداريّة والماليّة الموضوعة من قبل هيئاتها المتنوّعة، بعناية اللجنة الأسقفيّة للمدارس الكاثوليكية وسهرها الدائم. كما استطاعت المدرسة المحافظة على انتشار رسالتها التربويّة على كلِّ الأراضي اللبنانية رغمَ خطر الإقفال الذي ما زال يهدّد العديد من مؤسساتها حتى اللحظة، وبشكل خاص المدارس المجّانية ومدارس الأطراف والمدارس الصغرى والمتعثرّة.”
وأشار الأب نصر الى أنّ المدرسة الكاثوليكيّة استطاعت الوقوف الى جانب أهلها من خلال تفعيل عمل مكاتِبِها الاجتماعيّة واستقطاب المِنَحِ المدرسيّة التي تخطّت للسنة المنصرمة اثني عشر مليون دولار أميركي عبر مجموعة من الدول الصديقة والمنظمات المانحة والمغتربين اللبنانيّين ومنظّمات محليّة”، مردفاً أنّ “تحدّيات كثيرة تنتظرنا في المستقبل القريب والبعيد، وفي صدارتها تحدّي انطلاق العام الدراسي 2023-2024 بحيث اضطُرّت مدارِسُنا الى رَفعِ مساهمات الأهل بالدولار في ما أطلقنا عليه اسم “صندوق الدعم بالدولار”، لتأمين ما أمكن من حوافزَ ماليّة واجتماعيّة لمعلّمينا ولتغطية قسمٍ من المصاريف التشغيليّة المتفاقمة على مؤسّساتِنا.”
ورأى الأب نصر أنّ “الحاجةُ اليوم أكثر من أيّ يوم مضى الى تشريعات جديدة تقوم على:
“إصدار قانون يلزم الدولة اللبنانيّة بإعطاء المتأخّرات المستحقّة والمتوجّبة عليها منذ سنين طويلة للمؤسّسات التربويّة والصحيّة والاجتماعيّة، تحديد سلسلة رتب ورواتب جديدة تشكل بديلاً عن القانون 46/2017 المشؤوم، تحديث القانون 515/1996 بما يتناسب مع الواقع الحاليّ، من دون المسّ بالنفس الإيجابي الذي بثّه القانون المذكور، إصدار قوانين عاجلة تعالج تداعيات الإجراءات المؤقتة التي اضطرّت المؤسّسات التربويّة إلى اتّخاذها لمواجهة الأزمة الحاليّة لئلا تتسبب لها بعواقب لا تحمد عقباها، إيجاد حلّ سريع وعاجل لتعويضات الأساتذة المتقاعدين.”
وعدّد الأب نصر بعض إنجازات الأمانة العامة في العام المنصرم وفي ظلّ الأوضاع المترديّة وهي:
“إنشاء “مجالس الحوكمة” بحسب توصيات مؤتمر المدارس الكاثوليكيّة السابق، توقيع اتفاقيّة تعاون مع وكالة تعليم الفرنسية في الخارج ( AEFE) في 21 تموز 2023 في باريس تعتبرُ فيها الأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية شريكًا ومرجعًا تربويًّا رئيسيًّا”.
اعتبر مدير عام جمعيّة “مبرّة الشرق” المونسينيور باسكال غولنيش أنّ التحدي الأساسي هو “تقديم تعليم يتناسب مع تطلّعات الشعوب في هذه المنطقة، خصوصًا أنّ المسيحيّين في الشرق يضعون الإنجيل نصب أعينهم كي يتمكّنوا من الاستمرار على الصعد كافة. ومن هذا المنطلق، تبقى الكنيسة في فرنسا مهتمّة بما يحصل في لبنان وتقدّم المؤازرة والتعاضد لشعبكم وقطاعاتكم التربويّة والتعليميّة”، مشدّداً على ضرورة “دعم القطاع التربوي في وطن الأرز وأن يتحمّل الجميع مسؤولياتهم وتقديم واجباتهم لإنماء التربية، خصوصاً المسؤولين في الدولة اللبنانية”.
وتوجّه المونسينيور غولنيش الى الحضور قائلًا: “الحلول تنبثق منكم”، مؤكدّاً على ضرورة “التضامن والتعاون لتضافر الجهود وتحقيق الأهداف الكاثوليكيّة في الشرق، خصوصاً في قطاع الثقافة والتعليم”، داعيًا الى “ضرورة سماع صوت الفقراء الذي يعلو من قلب المدارس الكاثوليكيّة.”
أما رئيس اللجنة الأسقفيّة للمدارس الكاثوليكية المطران حنا رحمه فشدّد على أنَّ “المدرسةَ الكاثوليكيَّةَ لن تَستَسلِم ولن تَركَع ولن تَستَقيلَ من مهامِها النّبويّة والقياديّة، بل، كسيِّدِها الربِّ المسيح، ستحوِّلُ عاجِلًا ما يُؤذي الإنسانَ ويُخَسِّرُهُ إلى ما يُفيدُهُ ويَنفَعُه، وستُتابِعُ جهادَها وتُصِرَّ على المُقاوَمةِ، بـ”اللّحم الحيّ”، لتَكونَ وتَبقى قوَّةَ التَّغييرِ في المجتمع.”
ورأى المطران رحمه أنّ “الواقعَ الحاليَّ يشهدُ هَجمةً على قِيَمِنا الاجتماعيَّةِ السَّامِية، ويتطلّبُ ذلك منّا الوعيَ والدِّفاع عن إنسانيّتِنا أوّلًا، وقِيَمِنا ثانِيًا. وعرض بعض الصِّفاتِ التي تُشَكِّلُ مَلْمَحًا مُتكاملًا لمتعلِّمٍ يتمتّعُ بالمزايا التالية: “سُلّمُ قِيَمٍ وأَخلاق، فكرٌ نقديٌّ، تواصلٌ وتفاعلٌ اجتماعيٌّ بَشريٌّ مُباشَر وليس عبر الأجهزةِ الالكترونِيةِ، مما يُنمّي حسَّ التّعاونِ المجتمعيّ.”
نقل السفير البابوي في لبنان المونسينيور باولو بورجيا للحضور تحيّة وبركة قداسة البابا فرنسيس، الذي أعرب عن تقديره للمشاركين من خلال رسالة وصلته من أمانة سرّ الكرسي الرسولي في الفاتيكان، أكد فيها تشجيع الحبر الأعظم المشاركين على رغبتهم في إضفاء أبعاد مختلفة للتعليم الكاثوليكي، كما حيّى وعيهم إزاء أهمية المسؤولية التعليميّة ومن يحملها من كهنة ورهبان وراهبات، والمعلّمين، والآباء والعائلات، رغم الأزمة السياسية والاجتماعية، ونقص الموارد الأساسيّة، مع التركيز على خدمة الكنيسة والشعب اللبناني بأسره. وأمل البابا فرنسيس أن يفتح مؤتمر “التربية المتكاملة… قوّة تغيير المجتمع” الباب أمام إجراءات عمليّة ضروريّة، تعمد الى المشاركة الفاعلة في تعزيز التعليم الشامل للإنسان وتحوّل المجتمع.
وأضاف المونسينيور بورجيا: “أشار البابا فرنسيس إلى أنّ عالمنا المعاصر يتجدد باستمرار، ونحن مدعوّون لمواكبة هذا التجديد، خصوصًا أنّه قد يؤمّن الكثير من الثروات والفرص. لكنّنا نتساءل ما إذا كان هذا الأمر متاحًا للجميع… يشهد عالم اليوم أزمة واضحة المعالم في رؤيته للإنسان”، معتبرًا أنّ سؤال الحبر الأعظم تتجلّى إجابته في الحروب الكثيرة، والظلم، والسعي الجشع نحو السلطة، وعدم احترام الخلق والبيئة وبيتنا المشترك. هذه العوامل كافّة تسبّب في فقدان الهوية وتسهّل الاستسلام للضلال، خاصةً لدى الأجيال الجديدة، التي ستشكّل دور البطولة في تاريخ الغد”.
وقال المونسينيور بورجيا: “أمام نقص النماذج التربوية وشهادات الحياة الحقيقية والقيادة الفعّالة، يجب أن تكون التربية وبشكل خاص التربية الكاثوليكية رائدة في نمو الإنسانية الجديدة، التي تتأثر بقيم الإنجيل وبوصلةً للأمل الجديد وبذرة لعالم أفضل”، مؤكدًّا أنه “على المدارس والجامعات الكاثوليكيّة أن تستمر في تكوين بيئة معرفيّة مشتركة وفرص للالتقاء، كي تساهم دومًا بالتعبير عن صورة لبنان الحقيقي وترجمتها وإيصالها، لبنان الرّسالة الذي شدّد على أهميّته الباباوات كافةً مع البابا القديس يوحنا بولس الثاني.”
وختم: “تنتظرنا مهامٌّ كبيرة وتحدّيات عدة يجب التعامل معها. ولكن عند مراجعة تاريخ الكثير من المؤسسات التعليمية المتواجدة بيننا، يمكنني القول إنّ رسالتكم هي هذه، وأفضل إسهام قدّمتموه إلى لبنان على مرّ العصورهو تكوين الإنسان وكلّ الإنسان، من خلال التعليم والتثقيف والتربية”، لافتًا الى أنّ “التعليم يبعث دومًا على الأمل لأنه يستمدّ من الحاضر استشرافًا للمستقبل”.
رأى غبطة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي أننا “عندما نتكلّم عن التربية المتكاملة، إنّما نعني التربية التي تشمل كلّ الأبعاد التكوينيّة لشخصيّة الإنسان. وهي: التربيّة العلميّة والروحيّة والأخلاقيّة والإجتماعيّة والوطنيّة. وهذه أبعاد ينبغي على المدرسة الكاثوليكيّة أن تربّي تلامذتها عليها”.
وأشار البطريرك الراعي الى أنّ “التربية الوطنيّة اللبنانيّة هي الممرّ إلى الدولة النموذجيّة”، معدّدًا أهم الميزات التي تميّز لبنان عن جميع بلدان الشرق الأوسط، ويجب تربية تلامذتنا عليها من أجل استرجاعها.
وتتجلّى هذه الميزات بحسب البطريرك الراعي بـ:”الإنتماء إلى لبنان من خلال المواطنة لا الدين، ميزة “التعدّديّة في الوحدة” التي كرّست لبنان حاملًا رسالة حضاريّة في الحوار والتفاعل بين المسيحيّين والمسلمين وغيرهم على الضفّة الشرقيّة للمتوسّط، نظام الحريّات العامّة التي يقرّها الدستور، والتي تميّز لبنان عن جميع البلدان العربيّة، وتجتذب محبّي الحريّة المنظّمة.”
وإذ استذكر البطريرك الراعي أنّ “لبنان هو أوّل من وقّع شرعة حقوق الإنسان (1948)، شدّد على ضرورة “تعزيز الحوار بين المسيحيّين والمسلمين وتفعيل مبدأ حياد لبنان أو تحييده أو النأي بالنفس بأبعاد ثلاثة مترابطة ومتكاملة وهي ابتعاده عن الصراعات الإقليميّة والدوليّة، تعزيز الدولة اللبنانية بجيشها وأجهزتها العسكرية، وبوحدتها الداخلية، والتعاطف مع قضايا حقوق الانسان”.
وختم البطريك الراعي : “من هذا المنطلق يكون للدولة سيادتها بجيشها الواحد، وديبلوماسيتها الواحدة، وقرار الحرب والسلم في عهدة الحكومة، وادارة واحدة للسياسات العامة.
***********************************************
ثالثاً :الجلسة الأولى
حملت الجلسة عنوان “التربية المتكاملة من أجل تحقيق أكمل للشخص البشري”، وأدارتها البروفيسورة في جامعة القديس يوسف ندى ملّاح بستاني. تحدّث فيها كلّ من:
اعتبر الباحث في الفلسفة السياسيّة في جامعة بوردو مونتان، ورئيس مدرسة القديس يوسف التيفوليانيّ الدكتور لويس لورم أنّ التربية المتكاملة هي ركيزة الاستشراف نحو المستقبل الثقافي والتربوي.
وأشار بأنّ مفهوم التربية المتكاملة يستند الى مصدرين اثنين : المصدر الليبرالي والانتروبولوجيا المسيحيّة، وقال بأن الكنيسة لم تتخلّ يومًا عن سموّ دعوة الإنسان وتعتبر بأنّ ضعفه الجسدي ووضعه كإنسان خاطئ لا يحجبان عنه بهاء دعوته وإمكانية نموّها وتحقيقها.
كما أشار لورم في مداخلته الى أنّ تعزيز التربية المتكاملة في المدارس يتمّ من خلال التربية على القيم والأسس المسيحيّة، وبالعمل المتكامل والمتجانس بين إدارة المدرسة والمعلّمين والأهل، وذلك انطلاقًا من خبرته الطويلة في الإدارة المدرسيّة.
وشدّد لورم أنّ التربية ضروريّة لإعادة الأمور الى نصابها الطبيعي والحؤول دون فناء الخليقة على يد المخلوقات. لذلك فإنّ التربية هي في تطوّر دائم ومتواصل، وهي تعتمد على الحداثة التي تتأتى من جيل الى جيل والتي تشكّل الضمانة لتطوّر التربية، شرط توجيهها ضمن الأطر المناسبة والصحيحة لمصلحة المتعلّمين، دون الحدّ من إمكاناتهم “الثوريّة” في بعض الأحيان، وآخذين بعين الاعتبار هشاشة المتعلّم.
تحدّث المندوب العام للعلاقات السياسيّة في الأمانة العامّة للتعليم الكاثوليكي في فرنسا الدكتور بيار مرسولييه عن مقاربة شموليّة للتربيّة لناحية أنّ التربية المتكاملة هي في صميم التربية الكاثوليكيّة، ومعتبرًا بأنّ البعد المجتمعي للمدرسة الكاثوليكيّة يتخطى الإطار الاجتماعي إذ هو مبني على أساس لاهوتي. لذلك فالجماعة التربويّة مدعوّة الى تعزيز التربية المتكاملة في المدرسة، تحقيقًا لرغبة الله بأن يكون كلّ انسان أخ ليسوع المسيح الابن البكر. من هنا، فإنّ التربية المتكاملة هي في العمق تحقيق لمشروع الله، أي الانسان الكامل، أي يسوع المسيح.
وأوضح مارسولييه أنّ علّة وجود التربية المتكاملة تكمن في اعتبار الانسان : على صورة الله – مستحقّ لله – إبن الله.
1- على صورة الله: إنّ كرامة الانسان البشري مرتبطة في كونه على صورة الله، مهما كان عرقه أو عمره، وهو يكتمل على ثلاثة أصعدة: الفكر والفعل والمهارات الفنيّة.
2- مستحقّ لله : الانسان قادر من خلال التربية والتثقيف على تحقيق ملئ كيانه، وباستطاعته تطوير مهاراته الى حدودها القصوى من بحثه عن الله الذي يضع في داخله كل المحفذات اللازمة لتحقيق ذلك.
3- إبن لله : وهو بالتالي محبوب ومميّز لدى الله. وهذه البنوّة تنعكس على علاقته بالانسان الآخر، فيعترف به رفيق درب في إطار من الأخوة والمجانيّة.
أما لتحقيق التربية المتكاملة، فقد أعطى مارسولييه بعض الأفكار التوجيهيّة قائلًا بأنّ التربية المتكاملة لا تتحقق الا في إطار الحياة الجماعية حيث كلّ فرد يتميّز عن الآخر بفرادته التي تغني الجماعة، وحيث الكل مسؤول عن الكل.
ثمّ فُتِح باب المناقشة والأسئلة.
وفي الختام، عرضت منسقّة أعمال المؤتمر الأخت نوال عقيقي برنامج اليوم الثاني، وخُتِم اليوم الأول بصلاة وُضعت خصيصًا للمؤتمر، تلاها الحاضرون على نيّة أعمال المؤتمر والمدارس الكاثوليكيّة وكافة مكوّنات الجسم التربوي.
رابعًا: الجلسة الثانية
استُهِلّ اليوم الثاني بصلاة أعدّها طلّاب مدرسة الشانفيل ليدير بعدها النائب الدكتور أنطوان الجلسة الثانية من المؤتمر والتي حملت عنوان: “التربية المتكاملة، نموذج لإدماج المتعلّم في المجتمع”، تحدّث فيها كلّ من:
تحدّث النائب البروفيسور فرانسوا-كزافييه بيللامي عن الذكاء الفاعل وتعزيز الفكر النقديّ والإبداع والقدرة على حلّ المشكلات. وأشار الى أنّ ” التفكير الإبداعي هو القدرة على التفكير خارج حدود الحلول التقليدية وتلقّي المعلومات، خصوصًا أننا نعيش في ظلّ ثورة ثقافية وإنسانية وتربويّة”، مردفاً أنه على المدارس تنظيم ذكاء الطفل وتوجيهه إذ إنّ المدرسة هي المكان الذي يكتشف فيه الطفل ما لا يستطيع اكتسابه بنفسه.
ورأى بيللامي أن حرية التلميذ تتعزّز من خلال العلاقة مع الآخرين وتفاعله معهم، هذه الحريّة التي قد تتعارض مع مبدأ سلطة المعلّم، لذلك يجب اعتماد سياسة الوساطة، فالمعلّم هو الوسيط بين تلميذ والإرث الثقافي الذي يجب أن يُنقل اليه.
وشدّد بيللامي على “ضرورة تشجيع التلاميذ للتفكير خارج الصندوق، والتعبير عن أنفسهم بحريّة ومن دون خوف، وحثّهم على طرح الأسئلة والتفكير والإبداع وليس التلقّي فحسب، والاستفادة من تقنيات العصف الذهني، والمساعدة في تحديد المشاكل والحلول.
تناول البروفيسور جوزيف مايلا موضوع تعزيز مسؤولية المواطنين لمجتمع أكثر إلتزامًا، فضلًا عن تحفيز الالتزام الاجتماعيّ والمواطنيّة الفاعلة لدى المتعلّمين. وحدّد مايلا ثلاثة أبعاد للمواطنة: الانتماء، المساواة والمشاركة. ورأى مايلا أنّ أصعب ما يواجهه المتعلّم هو التناقض بين القيم والخلقيات التي يكتسبها في المدرسة من جهة والواقع الاجتماعي الغير ملتزم بتلك القيم من جهة أخرى.
وأشار مايلا أنه على المدرسة الكاثوليكيّة إعادة إنتاج الدعوة الى المواطنة لدى المتعلّمين، إذ إن أزمة المواطنة التي نمرّ بها مردّها الى وجود مواطنين دون دولة، وحيث الانتماء هو للجماعة وليس للدولة.
تطرّقت الدكتورة غارين كالوستيان الى ذكاء القلب وتنمية الكفايات الاجتماعيّة والعاطفيّة من أجل حياة هانئة. ورأت أنّ “المهارات التفاعليّة في التعليم تتيح مساعدة التلميذ على بناء الثقة بنفسه ومحيطه واكتساب المعلومات ومشاركتها”.
وأشارت كالوستيان الى أنّ “التعلّم الاجتماعيّ الانفعاليّ يبدأ بالتأثير بحياة الفرد منذ ولادته ويستمرّ طوال حياته”، مردفةً أنّه “بات من الضروري مرافقة الطفل سيكولوجيّاً ومعرفيّاً لبناء شخصيّته، تدريبه السيطرة على انفعالاته، تعزيز قيمه وتطوير مهاراته مع التركيز على أهمّها لتسهيل انخراطه في المجتمع وحثّه على التعامل مع الصدمات التي يواجهها والتفاعل معها بطريقة صحيحة وبنّاءة”.
خامسًا: الجلسة الثالثة
حملت الجلسة الثالثة من المؤتمر عنوان ” التربية المتكاملة، رؤية حياة لمواطن الغد” وأدارها البروفيسور فادي الحاج. تحدّث فيها كلّ من:
تناول الدكتور مايكل مخايل موضوع الثورة في التعلّم، واستخدام التقنيّات الحديثة من أجل تعلّم معاصر. وأشار الى أنّ “هدف الذكاء الاصطناعي هو تسهيل حياة البشر”، مردفاً أنّ “التكنولوجيا هي أداة لإيصال الرسالة ولا يجب استخدامها كمنافس بل كمكمّل للتعليم”.
ولفت مخايل الى أنّ “أهم مفاتيح التعليم المعاصر تكمن في الاستفادة من التكنولوجيا والتعدديّة وبناء الرؤية العالمية”، مشدداً على “أننا بتنا نعيش في مجتمع رقميّ، تعيش فيه الناس تعيش معتقدةً أنها منخرطة إجتماعيّاً. لذا على الأساتذة تحويل وتوجيه هذه التكنولوجيا في التعليم من خلال التفاعل مع التلميذ، تعليمه كيفيّة الوصول الى المعلومة والاحتفاظ بالصحيحة منها، فتح نوافذ لتعزيز الفكر الجماعي”. ولفت مخايل الى أننا “بحاجة الى التغيير لمواكبة الذكاء الاصطناعي والتعلّم من كلّ ما يدور من حولنا على الدوام”.
تحدّثت الدكتورة كوستانزا فارينا عن إيقاظ الوعي البيئيّ، طارحةً أسس المشروع التربويّ للحفاظ على “بيتنا المشترك”، انطلاقاً من رسالة البابا فرنسيس حول الحفاظ على البيئة، والتي حذّر فيها من الانحدار البيئي الذي يواجهه كوكب الأرض.
وأشارت فارينا الى أنّ “40 بالمئة من الأساتذة في العالم يريدون توجيه تلامذتهم للحفاظ على البيئة، لكنّ 20 بالمئة فقط منهم يقومون بذلك عمليّاً”.
واعتبرت أنّه “من الضروري اعتماد سياسة تعليم “خضراء” لتحويل العالم بيئيّاً من خلال الشراكة وزرع فكر التعامل مع البيئة للحفاظ على “بيتنا المشترك” لدى الجميع منذ الصِّغر، وتدريبهم على كيفيّة تحقيق ذلك في المدرسة والمنزل”.
ولفتت فارينا الى أنّ “لبنان يعاني من أزمة بيئيّة حادّة، لذا نعمد الى بناء مبادرات بيئيّة مع المدارس الخاصّة والرسميّة كتنفيذ مشروع “الغرفة الخضراء” بهدف تفعيل مبادرة الشراكة في التعليم الأخضر”، مؤكدة أنّ “هذه المبادرة تحثّ التلميذ على الفرز، المحافظة على الطبيعة والمياه، السعي الى توليد طاقة بديلة، والتصدّي لأزمة المناخ التي تضرب بلادهم”.
تطرّق الدكتور لويس لورم الى كيفيّة التزام المجتمع التربويّ في تأمين رفاه الجميع. ولفت الى أنّه “يجب الانتباه على تعزيز العلاقات المجتمعيّة في المدارس، وطرح رؤية المجتمع التعليمي التي تبدأ بالعائلة وتستكمل في المدرسة وتتعزّز كذلك في علاقة الله والإنسان، ما يتطلّب تعاون الجميع لإنجاح هذا المشروع”.
وطرح لورم دور مدير المؤسسة التربوية في تفعيل المجتمع التعليمي، وذلك من خلال تشارك الخبرات، وإعطاء أهميّة للتواصل والحوار بين مختلف مكونات الأسرة التربويّة، وخلق جسر بين التربية الروحيّة والمسيحيّة والمجتمع التربوي في البيت والمدرسة وفي حياة الشباب لحثّهم على تطوير وزناتهم.
وأشار لورم أنّه ينبغي اعتبار التلميذ، بالرغم من هشاشته، شريكًا كاملا في العمليّة التربويّة ولاعبًا أساسيًّا في تطوير ذاته، وذلك انطلاقًا من مشيئة الله بأن يكون كذلك.
سادسًا: الجلسة الختاميّة
للمرّة الأولى تم اعتماد صيغة النقاش بين الأمين العام للمدارس الكاثوليكيّة في لبنان الأب يوسف نصر وثمانية تلاميذ من مختلف المدارس الكاثوليكيّة للإعلان عن نتائج المؤتمر التاسع والعشرين، حيث أجاب الأب نصر على أسئلتهم التي تطرّقت الى كافة جوانب التربية المتكاملة وكيفية اعتمادها في المدارس الكاثوليكيّة انطلاقًا من المحاور التي تمّ عرضها خلال يومي المؤتمر.
وبعد توجيه الشكر الى غبطة البطريرك الراعي، وجميع الضيوف الكرام والرسميّين المشاركين والمحاضرين والحضور، والى مدرسة سيدة اللويزة المستضيفة لأعمال المؤتمر وكل من عمل على إنجاحه، اختتم المؤتمر بصلاة على نيّة المدارس الكاثوليكيّة وجميع المكوّنات التربويّة فيها.